
سلام الله على حضرموت
سلام لناسها، طباعهم، ذكائهم، تدينهم، سلام الله على الملامح السمراء.. سلام الله على الشوارع الهامدة بُعيد الأذان، سلام الله على التدين الصادق، سلام الله على شعرائها وفنانيها الخالدين ومتصوفيها الصادقين.. سلام على صوت "أبوبكر" وقصائد المحضار، ودان حداد الكاف.
بإمكانك هنا أن تعيش بأمان تام، أن تأمن على نفسك ومالك، هل قد رأيت سياراتٍ مفتوحةً في الشوارع ليلاً.. هل قد رأيت المدن التي تغلق أبوابها أوقات الصلاة بدون هيئة حسبة؟، هذا هو الغالب في كل مدن الوادي.. أسألوا نازحيْ الشمال عن حالهم هنا، كيف اندمجوا في سنوات قليلة، وكيف أن حضرموت تمنحهم مكانة ومحلاً وتديناً.
هناك حكم مسبق في أذهانكم عن الحضارم، دائما ما يعيرون بالبخل والتحاذق، بينما الأمور نسبية، وستجدها في كل مكان، شخصياً.. لولا احترامي لنفسي قبل عملي لا ملأت جيبي وغرفتي، ولأني لا أريد أن أكون مدينا لأحد، أرفضها رفضاً مهذباً.
كيف يجب أن تكون كريماً، أو (قبيلي) بمعيار الآخرين؟.
تضع كرمك في الشارع، وتعمل مأدبة ضخمة للمارين، أم توزع النقود يمنة ويسرة، أم جلسات القات المطولة والهلس المعسبل، ومجايلة الهلاسين، أم ماذا؟!،
يبدو أن الناس ينظرون للكرم من احتياجات البطن.. متناسين كرم الأخلاق، التهذيب، طولة البال، الصدق، التدين النقي، وأشد ما يعجبك هنـا من أخلاق القوم: الأمانة.
لا أؤمن بنظرية التبخيل هذه من قديم، مذ كان يزورنا إلى قرانا النحالون الحضارم، والمصبِّرون (يجرشون نبتة الصبِر "الصبار" للحصول على رحيقها الذي يستخدم كعلاج، يباع في دول الخليج وجنوب شرق آسيا)، رائحة الغداء متشبثة بذاكرة الجوع، في خيامهم تمتلئ بالصبية والرعيان والشرّاح، والأهالي كل يوم يأوبون بكرم جديد.. أتحداك تنكر قناني العسل، يا من تصمهم بالبخل، وأنت تترنح تحت ضربات الشبق القروي ولعابك يسيل قبل كرم الحضرمي، في أيام زياراتهم لنا صيفاً.
تستطيع التمييز بين الحضرمي وغيره، ولو كان الجميع يرتدون القلنسوة.. لا توجد قبلية بصيغتها الشمالية، الأمور طبيعية جداً.. الحضرمي لا يهمه الانتماء والمنبع.
قبل انتقالي إلى هنا بأزمنة، كنت قد تخففت من تضخم اللقب، نفس البرود أوجهه عندما أصادف من يحملون نفس اللقب.. أفرح لهذه العفوية، وأشعر أني في فسحة من التصبغ بالألقاب.
الناس هنا مستعجلون، هنا الأرقام هي من تصنع الفارق، نسبة البطالة والفقر ضئيلة، الناس مهاجرون منذ الأزل، مواليد: المجر، الكونغو، كينيا، جزر المالديف، والشرق الآسيوي بعامته.
يسيطر الحضارم هنا على أغلب ـ إلم تكن كل ـ المهن، فيما تسيطر قريتان من إب على أسواق القات في مدن الوادي، المهنة التي لا يجيدها الحضارم.
الإنسان الحضرمي عمليٌ اقتصادي، اِبتداء وانتهاءً، في كل أعماله يتحرى، يضع ألف خط تحت كل خطة، ويضع سؤاله الكبير: ما الفائدة من..؟.
مساكم أسمر، بصوت الدان.

- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها